نتحدث دائما عن سماء الصيف أو سماء الشتاء، الربيع أو الخريف.. دائما ما نقول أن هذا من النجوم المميزة لحرارة الصيف القاتلة، أو لبرد الشتاء القارص الممتع (لي شخصيا على الأقل). إذا وبالتأكيد ولأي ملاحظ فالسماء تتحرك.
لكننا نلاحظ بسهولة حركتها طوال اليوم، وهي ليست الحركة الوحيدة، بل أن السماء تتحرك كل يوم ولو بمقدار بسيط جدا يتراكم ليظهر لنا كتغيير كبير يتضح بين الأشهر والفصول.
فما هو سبب هذه الحركة؟ أهي السماء أم نحن من يتحرك؟ وكيف نفهمها؟ وبهذا فكي نحدد متى نرى نجمة معينة في السماء؟ هل الكواكب ملتصقة بأماكنها في السماء؟ لماذا يتغير مكان ظهور القمر كل ليلة؟
في البداية يجب أن نفهم ما الذي يتحرك قبل أن نحاول استيعاب أثر هذه الحركة على شكل السماء كل يوم.
وجودنا على سطح الأرض يماثل راكب القطار الذي يتحرك قطاره بسرعة منتظمة، وثبات الموجودات النسبي لنا (الطرق، البيوت، أصدقائ، النباتات والحيوانات) على سطح الأرض يمثل حالة السكون التي يشعر بها هذا الراكب عندما ينظر لباقي الركاب. ولو نظر هذا الراكب من النافذة سيجد أن الأشجار والطرق تتحرك للخلف، والحقيقة أنه هو الذي يتحرك بالقطار للأمام. هذا ما يحدث عند تعاقب الليل والنهار، وأيضا حركة النجوم، فليس سببها أنهم يدورون حول الأرض، لكنها بسبب دوران الأرض حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة. وكل الكائنات على سطح الأرض تتحرك معها في تلك الحركة بسرعة 1600 كيلومتر/ساعة بسبب ارتباطها بجاذبية الأرض.
كما أن للأرض حركة أخرى وهي دورانها حول الشمس. وتكمل الأرض دورتها حول الشمس بسرعة 107000 كيلومتر/ساعة لتقطع 970 مليون كيلو متر في السنة. وتحملنا الأرض معها أيضا في تلك الحركة.
ترتبط الكواكب ومنها الأرض بالشمس في حركتها كذلك بفعل الجاذبية. والشمس ليست بمفردها أيضا، فهي مع مئات المليارات من النجوم الأخرى تكوّن مجرتنا، مجرة درب التبانة أو الطريق اللبني. والشمس كما كل النجوم تتحرك داخل المجرة بأكثر من حركة مختلفة، للشمس حركة منفردة داخل المجموعة القريبة لها من النجوم، كما أنها تتحرك أيضا مع كل نجوم المجرة حول مركز المجرة. وتقاس سرعة حركة الشمس نسبة لمتوسط سرعات النجوم القريبة لنا فيما يعرف ب «local standard of rest».
وتتحرك الشمس حركتها المنفردة بسرعة 70000 كيلومتر/ساعة حاملة معها المجموعة الشمسية تجاه نجم النسر الواقع «Vega» في كوكبة القيثارة «constellation of Lyra». و «Vega» من النجوم القريبة نوعا ما لنا، فهو يبعد عنا الآن 25 سنة ضوئية فقط، كما أنه أحد أكثر النجوم لمعانا في السماء.
كما تتحرك الشمس حول مركز المجرة بسرعة 792000 كيلومتر/ساعة. ولكي تكمل الشمس دورة كاملة حول مركز المجرة ستسغرق 230 مليون عام. وتسمى تلك الفترة بالسنة الكونية. ومنذ نشأة المجموعة الشمسية مرت عليها عشرون سنة كونية، أي أنها أكملت 20 دورة حول مركز المجرة. لكن منذ خلق الله الإنسان على الأرض لم يمر علينا سوى جزء بسيط لا يُذكر من السنة الكونية.
لهذا ببساطة، كل شيء يتحرك.
عرفنا ما الذي يتحرك، كل شيء تقريبا، السماء والنجوم والأرض ونحن والشمس وكل شيء..
يأتي هنا سؤال هام، ما الذي يؤثر بشكل واضح وملحوظ على ما نراه فوقنا إذا نظرنا للسماء كل ليلة؟.
عندما نتحدث عن النجوم، يجب أن نذكر أنها بعيدة جدا جدا جدا جدا، بشكل لا يمكن أن تتصوره دون مثال.. أقرب نجم للأرض هو القنطور الأقرب أو بروكسيما قنطورس، يبعد حوالي 4.2 سنة ضوئية. لو تخيلت أن الشمس بحجم ثمرة بازلاء، فالقنطور الأكبر سيكون بحجم حبة أرز على بعد حوالي 150 كيلومترا (أكثر أو أقل قليلا)…
نفهم من هذا أن النجوم بعيدة بشكل لا تتخيله، تخيل أنك تنظر لحبة أرز على بعد 150 كيلومترا، وتصور أنك تراها.. تخيل الآن أنها تتحرك قليلا، هل سترى تلك الحركة؟ هل خلية نحل على هذه المسافة ستبدو لك حركة النحل بداخلها؟ بالقطع لأ.. هكذا هي النجوم بالضبط.
النجوم بعيدة جدا جدا حتى أن حركتها لا تبدو لنا على الأرض، حتى ولو مرت آلاف السنوات، مازالت النجوم تبدو ثابتة وفي نفس مواقعها بالنسبة لبعضها البعض، لأن آلاف السنين هي لحظة في عمر الكون. لهذا فإن أجدادنا بناة الأهرام والحصون والمدن القديمة، مكتفي النار، مستخدمي الحجارة، وحتى من عاشوا على الأشجار في الغابات، كانوا يشاهدون نفس السماء بالضبط، التي تراها أنت الآن من صحراء أو من سطح منزلك، لا فارق، هي نفس النجوم تشهد على مضي أعمارنا بينما هي ثابتة…
يأتي الآن دور الأرض، حركتها، دورانها، العامل الأهم في فهم حركة السماء حولنا.
نعلم بداهة أن الشمس تشرق من الشرق وأنها تغرب أيضا من الغرب، لكن الشمس هي جزء من السماء كلها، والتي تشرق بأكملها من الشرق وكذلك تغرب من الغرب. فالقمر مثلا رغم تغير مواعيد ظهوره يوميا لنا إلا أنه يشرق ويغرب مثل الشمس، وكذلك النجوم جميعا، تشرق من الشرق وتغرب من الغرب. راقب السماء الشرقية طوال ولاحظ ظهور النجوم وارتفاعها من وراء خط الأفق، لكن ما سبب هذه الحركة؟
حسنا، نحن هنا من نتحرك وليست السماء، كوكب الأرض هو ما يتحرك وهو يحملنا بسرعة حول محوره من الغرب تجاه الشرق.
لتخيل ذلك، قف في منتصف ملعب أو أرض فضاء، ودور حول نفسك لنصف دقيقة، ستتخيل وقتها أن الملعب والموجودات من حولك هي ما تدور وليس أنت، هذا هو حال الأرض ونحن عليها، ولهذا فنحن سكان الأرض الصغار للغاية بكل مشاكلنا التفاهة مقارنة بحجم هذا الكون الشاسع، نرى الكون يدور حولنا، لكنه حقيقة الآمر لا يدور، ولا يعبأ حتى بوجودنا، أنت لست مركز الكون يا صديقي.
لكن، هل حركة الأرض حول نفسها هي الحركة الوحيدة التي تغير شكل السماء فوقنا كل ليلة؟ بالطبع لأ.